الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

هدية القدر





هدية القدر

كانت الشمس قد غابت عندما وقفت (ناديا) على ضفاف النهر حيث كانت واقفه تتطلع الى ما حولها من مراكب ترسوا على تلك الضفه المقابله  , وكيف كان المارة تغريهم الاضواء وانغام الموسيقى على ركوب المراكب الخشبية والتجول في النهر في رحلة قد تكون قصيرة لكنها محملة بكم هائل من الاحاسيس والذكريات .
لم تكن تدرك انها محط انظار المارة , بسبب وقفتها الغير معتدلة . فقد كانت سارحة الذهن تائهة في دوامة الذكريات والاحلام النائمه . لا تفطن ما يدور حولها غير اصغائها الى كلمات تلك الاغنية القديمة التي احبها كل من سمعها . واخذت تدندن بنفس الكلمات بصوت لم يكاد يكون مسموعاً :
                                    اول مرة تحب يا قلبي واول مرة اتهنى
                                 ياما على نار الحب قالولي ولقيتها من الجنة
                                            ليه بيقولوا الحب اسية
                                          ليه بيقولوا شجن ودموع

لم تعرف هوية الصوت الذي كلمها , فهي لم تكن بكامل تركيزها . ولكنها استدارت لتعرف هوية المتكلم .
ولكنها استغربت حين رأت شابا لم تره قط قبل هذه المرة . فسالته  تقول :
-عفوا هل كنت تكلمني ؟
-اجل ... فقد كنت أسالك اذا ما كنت تستطيعين في اعطائي رايك بهذا المنظر الذي من حولك ؟
-عفوا ولكن مال المناسبة التي يجبرني على اخبار شخص غريب برأيي ... الا ترى ان ذلك غير منطقي ؟
-اعتذر عن عدم تقديم نفسي ... انا الصحفي ( رافد النقيب ) , وقد كنت اتجول لاستطلاع اراء الناس حول هذا المشهد , لمقالة اهم في كتابتها للمجلة (الحياة ) التي اكتب فيها .
قال ذلك وتنبهت (ناديا ) للدفتر والقلم الذين يحملهما في يده , ثم قالت :
-لا اعرف ماذا اقول حقيقة , فبرغم جمال المنظر , ودهشتي باسلوب حياة الناس !
-مالذي يدهشك فيهم ؟
-عندما اراهم احس بأنهم لا يعيشون في هذا الزمن وكان حياتهم تخلو من المشاكل , فالكل يسير وهوه مبتسم والبعض يتكلم بطريقة تنم عن السعادة , رغم انني اعلم بان هذا  ليس ما في داخلهم , فمن المؤكد انهم يتركون كل ذلك ورائهم في محاولة للهروب والتمتع بهذه اللحظات .
-ولكن ماذا عنكي انتي ؟
-مالذي تعنيه ؟
-انا اقصد ... مالذي دفعك للحضور الى هنا ؟
-لا شيء يذكر غير اني اتي الى هنا كلما احسست بالضيق .
-هذا هوه حال الدنيا فالكل يحاول الهروب من واقعه .
-كلا ... هذا كلام غير صحيح  .
-كيف ؟
-ليس الكل يهرب من واقعه , فأنا مثلا , لا مجال لي للهرب . فانا كما ترى هنا لو حدي , فمن المستحيل ان يهرب شخص من واقعه عندما يكون لو حده .
- أجل ان كلامك صحيح ... عذرا على سؤالي ... ولكن لماذا انتي لوحدك ؟
-قد يكون سؤالك شخصي نوعا ما , ولكنني سأجيب , السبب هو اني احيانا احتاج ان اكون لوحدي للتفكير في بعض الامور التي تحتاج ان يفكر فيها المرء لوحده .
-قد يكون هذا رأيك ضمن حدود ضيقه .
-كيف ذلك ؟
-ما اقصده هو انك قد توهمين نفسك بانك لو فكرت لوحدك في هذا الامر قد تجدين ظالتك . لكن هذا قد لا يكون صائبا , فكثيراُ ما نجد انفسنا مخطئين عندما نسمع وجهات نظر الاخرين .
-لا اعرف ماذا اقول ... قد يكون محقاً , لكنني لا اجد بدأ من ان افعل ذلك .
-لماذا تتركين نفسك داخل اكثر الاختيارات ضيقا , حاولي ان توسعي نطاق الخيارات المتاحة لك واختاري المناسب منها .
-حاولت لكنني لم استطع فعل ذلك .
-جربي وما الضير من التجربة ؟
-لا شيء ... لكنني لا استطيع .
-كلا ليس لانك لا تستطيعين , وانما لكونك خائفة .
-ومم اخاف !
-من كلام الاخرين , اما ان يكون مخالفا لما تريدين , او ان تكون ردود افعالهم على غير المتوقع .
-وماذا لو كان رايهم كما انا افكر ؟
-هذا هوه ما اقصده بالضبط , انك يجب عليك المحاولة لكي تعرفي ذلك . وان احببت حاولي معي مثلا ,فانا لا اعرفك ولم ارك من قبل , وسيكون كلامي معك نافعا وليس العكس فانت المستفيدة الوحيدة .
-كلا...كلا ... لا استطيع ذلك .
-وما الذي يمنعك ؟
-ارجوك لا اريد ان اتكلم في اي شيء .
-حسنا انا اعتذر واسف لازعاجك .
قال ذلك وسكت في محاوله منه لانهاء الحوار , بعد ما رآه من انفعال الفتاة وتوترها , فلم يرى في ما قاله شيء يثير الاعصاب او التوتر , لكنه سمع صوت الفتاة تقاطع تفكيره تقول :
-مالذي تريدني ان اقوله , فتاة لا تعرف الشخص الذي تكلمه غير انه صحفي , هل تعتقد ان ذلك امراُ سهلاُ ؟
-بالطبع لا ... لكن الله احيانا يرسل لنا شخصا يكون سببا في حل امور كثيرة .
-وهل تعتقد انك ذلك الشخص ؟
-لا اعرف انت من عليكي ان تقرري .
وفجأءة ازداد توتر (ناديا ) وقد ابعدت نظرها عن ذلك الصحفي الشاب وقالت في انفعال واضح , وقد كانت الكلمات تخرج منها بثقل شديد ينم عن اللم شديد .
-هل تريد ان اقول لك اني اعيش اجمل ايام حياتي في حزن وضيق ووحدة . لقد تعبت من هذا الشعور , انني على عكس اغلب الفتياة اللاتي يبحثن في هذه الايام عن اللعب واللهو والحب , انما انا اعيش ايامي بحثا عن شيء  لا اعرف اذا كان موجودا ام لا !
-وما هوه هذا الشيء ؟
-الحب الحقيقي .
قالت ذلك واطلقت تنهيدة عميقة , واستطرت تقول :
-انني ابحث عن حب لم اره في هذه الايام , مع علمي بان الايام تمر وقد يفوتني قطار الحياة وانا واقفة  متاملة ايجاد ذلك الحب .
-وهل تظنين انك انت فقط على هذا الحال ؟
-كلا لا اظن ذلك , ولكن ما ادراني كيف هو الحال مع بقية الناس .
-ليس الامر بعيدا عما انا فيه , رجل يبلغ من العمر الثالثة والثلاثين لم يتجوز ولم يجد حتى الفتاة التي يمكنه الارتباط بها .
-هل انت ايضا لم تجد ذلك الحب ؟
-كنت احسبني وجدته لكنني كنت مخطئا في ذلك , فقد كان كله مجرد وهم كبير .
-اعتقد ان الحب كذبة كبير نوهم انفسنا بها .
-كلا هذا ليس صحيحا ... الحب موجود وحقيقي , لكنه لا يظهر الاعند اجتماع القلبين الحقيقيين , قلبين يخلوان من كل تلك الصفات التي التي تلطخ اسم الحب , من خداع وطمع وخيانه وانانية .
-آه يبدو ان الوقت قد تاخر .
-كلا ... فما زالت الوقت مبكرا , فالساعة تشير ال السابعه والنصف .
-اود لو نسير قليلا , هل ترغب بذلك ؟
-بالطبع ... تفضلي .
وبلغى من السير مسافة تكفي ان توصلهما الا مكان معزول عن كل ذلك الزخم من الناس وقد تكلما خلال ذلك بامور كثيرة عن حياتهم اليومية , وعندها قالت (ناديا ) :
-آه صحيح لقد نسيت ان اعرفك بتفسي ... انا ادعى (ناديا ) مهندسة ديكور .
-تشرفت بمعرفتك انسة (ناديا ) .
-وانا كذلك  ... واود ان اعترف ان كلامي معك  قد ازاح الكثير من التوتر والانفعال الذي كان يسري فد عروقي .
-لاداعي للشكر ... فالكل يحتاج الى شخص يتكلم معه بين الحين والاخر .
وعندها قالت (ناديا ) بعبارة خفيفة تحمل معها ابتسامة  :
-اعتقد انك استدرجتني للكثير من الكلام , يبدو انك صحفي بارع في عملك .
وعندها اطلق الاثنان ضحكة تنم عن ارتياح وقبول كل منهما للاخر . وبعد ذلك اقتربت منهما عربة لبيع الحلوى وقد طلب منها ( رافد ) ان تسمح له بدعوتها لشراء بعض الحلوى , فوافقت على ذلك ... وقد مر الوقت  بسرعة من غير ان يشعرا بذلك , وبعدها تنبهت ( ناديا) للوقت  وقالت :
-يبدو انني تاخرت  , يجب ان اذهب  .
-حسنا واتمنى ان تصلي البيت بخير حال .
-وانت ايضا ... وشكرا على كل شيء .
-لا داعي للشكر .
-تصبح على خير .
-تصبحين على خير .
وبعد عدة ايام نزلت ( ناديا ) من سيارة الاجرة التي كانت تستقلها , ووقفت امام مبنى كبير علقت امام بابه لوحة كتب عليها مجلة  ( الحياة )  .
وبعد ان استعلمت عن مكتب الصحفي ( رافد النقيب ) دخلت المكتب  , ولم يصدق (رافد ) ما رآته عيناه ,فرحب بها بشدة وبحرارة باللغتين , ثم سالها عما اذا كانت تحتاج شيئا , عندها سمع الرد الذي لم يكن يتوقعه .
-لقد اتيت لاقول لك أمرا واحدا .
-وما هوه تفضلي .
ترددت ( ناديا ) قليلا قبل ان تقول ثم قالت كلماتها بشي من الحماس والخجل :
-بعد تفكير عميق , اعتقد بانه من حقك ان تعلم , ان ... ان ... انك فعلا الهدية التي ارسلها لي القدر .
قالت ذلك ونهضت بسرعة  وسارت بانفعال وخجل واضحين  خارج المكتب  , عندها ابتسم (رافد ) وتبع (ناديا )
                                       تمت بحمده

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق