الثلاثاء، 30 أغسطس 2011

لغز المرآة





لغز المرآة

- دخلت السيدة (أنهار) غرفة ابنتها ( نرمين ) بعد أن سمعت صراخ ابنتها وسط ضجيج عم الغرفة وقد صدمها المنظر الذي كانت به ابنتها الوحيدة وقالت :
-ماذا هناك ؟ ماذا حصل ؟ مالذي يدفعك للبكاء بهذا الشكل ؟
واستطردت في طرح الاسئلة  :
-ما الذي دفعك لكسر المرآة ؟  قالت ذلك بعد ان وجدت شظايا المرآة متناثره في غرفة ابنتها .
لكن لم تتلقى اي رد على اسئلتها ! بعدها احتضنت ابنتها الباكية وقالت :
-اجيبي يا ابنتي مالذي حصل ؟ اريحيني ارجوكي .
قالت ذلك ثم اطلقت صرخة عالية بعد ان وجدت ابنتها تفقد وعيها بين احضانها من شدة ما اصابها .

-انها تفتح عينيها يا دكتور .
كان ذلك اول ما سمعته (نرمين )عندما استعادة وعيها .
وقد احست بجسدها المتهالك الملقى على السرير وكأنه صخرة عظيمة , حيث لم تتمكن من تحريكه . ثم سمعت صوت والدتها يقول :
-كيف حالك الان يا ابنتي ؟ اتمنى ان تكوني بخير حال .
وحاولت استجماع قوها لتقول بضع كلمات لتطمئن والدتها على حالها وقالت :
-انا بخير لا تقلقي .
-حسنا سأذهب لاحظار عصير الليمون , الذي طلب مني الدكتور ان اقدمه لكي حالما تستعيدي وعيك .
قالت السيدة (انهار) ذلك ونهضت في طريقها للمطبخ  . ثم عادت بعد لحظات وهي تحمل العصير  , ثم ناولته لابنتها , بعد ان ساعدتها الجلوس .
وبعد ان شربت (نرمين ) العصير , شكرت والدتها  , ثم تنهدت تنهيدة قصيرة , وقالت :
-مالذي حصل لي ؟ كل ما اذكره انني كنت ابكي .
-ما حصل انني لا اعرف شيئا , الاحرى بك ان تخبريني  انتي عما حصل لا تسالينني .
قالت السيدة (انهار) ذلك واحتضنت كفي ابنتها بكفيها لتطمئنها وتشعرها بحنانها .
وبعد لحظات من السكوت ,فوجئت السيدة (انهار) بسؤال ابنتها التي سالتها تقول :
-ما رايك في يا ماما ؟
-ماهذا السؤال يا ابنتي ؟
-ارجوكي ردي على سؤالي .
-لا اعرف مالذي يدور في خلدك , لكن كل ما استطيع قوله لك , انك اجمل واطيب بنت  وانا واثقة من قولي .
-اعتقد انك لا تعرفينني يا ماما .
-لا توجد آم في هذه الدنيا لاتعرف ابنتها .
-بل يوجد صدقيني ... أنتي ام طيبة وحنونه  , لكنك هل عرفتني ما الذي يشغل بالي  ؟ مالذي يؤلمني  ؟ ما الذي يشغلني من اليوم الذي تركنا فيه والدي ولغاية هذه اللحظه ؟
-لا اريد ان ابرئ نفسي من هذا الامر , ولكن صدقيني فأنا لغاية هذه اللحظه لم اتمكن من ان ابرأ  من صدمة ترك والدك لنا . قد تكون هذه الصدمة ابعدتني بعض الوقت عنك  في محاولتي للنسيان او الهرب من الماضي , لكن ذلك لا يعني انني نسيتك او عفلت عن التفكير في مستقبلك , سامحيني يا ابنتي لكن الحمل اصبح ثقيلا علي وانا في هذا العمر .
قالت السيدة (انهار) ذلك وهي تمسح دموع الندم على الماضي والحسرة على وضعهم الحالي والقلق على ابنتها من مستقبل مجهول .
-لا تبكي يا ماما فأن هذه الدموع غالية على قلبي .
-حسنا يا حبيبتي ... لكن يجب عليك ان تقولي لي مالذي  دفعك لما كنتي عليه ؟
-حسنا اعدك بانني ساقول لك كل شيء شرط تعدي لنا قدحين من الشاي .
-حسنا انا ذاهبة لاعداد الشاي .
دخلت السيدة (أنهار ) المطبخ لاعداد الشاي , وبعد ان وضعته على النار , اخذت تفكر فيما حصل واعادتها هذه الحادثه الى الماضي , لقد كانت ايام صعبه مع رجل صعب , فقد كان عصبي المزاج دوما ولا يتردد في ان يكسر اي شي  يكون امامه , وتذكرت كيف كان كان في بعض  المواقف يقوم بضربها .
افاقت السيده (انهار) من ذكريات الماضي المؤلمة يعد سماعها صفير البخار المنبعث من الابريق . وعندها سمعت صوت ابنتها وهي تقول :
-انني في الشرفه ياماما .
-هاهو الشاي الذي طلبتيه يا عزيزتي .
قالت ذلك وهي تضع الصينية على طاولة صغيرة امام ابنتها حيث تجلس .
ملأت السيدة (أنهار) القدح وقدمته الى ابنتها .
اخذت (نرمين) قدح الشاي من والدتها وقالت :
-غالبا ما كنت اظن انني افضل  من كل الفتيات اللاتي عرفتهن , على عكس ما كنت اراه في بعض الاحيان وهو انني لست بافضل الفتيات .
-لماذا تقولين ذلك يا ابنتي , فانت فعلا من افضل الفتيات ,وهذا ما يشهد به كل اقربائنا واصدقائنا .
-هذا ما يرونه من المظهر الخارجي , لكن من منهم يعرف ماهو الجزء الخفي في تلك الملاك التي يرونها , وهل في قلبها  منطقه  سوداء مظلمه ؟... لا احد .
-(نرمين ) مالذي يدفعك لقول ذلك في حق نقسك ؟
-هنالك الكثير ما يدفعني لقول ذلك  لانني اعرف نفسي جيد , واعرف ما الذي افكر فيه وما الذي فعلته .
-انا شريرة يا ماما ... نعم , شريرة فقد فعلت اموراً كثيرة تكفي بان تكون هذه الكلمة اقل ما استحق ان اصف به نفسي .
-لا افهم كلمة مما تقولين , لماذا لا توضحي الامر  ؟ انك ترعبينني بكلامك هذا ... مالذي فعلته  اجيبي ؟
-حسنا ساقول لكي ما فعلت .
قالت ذلك ووضعت قدح الشاي على الطاولة واستطردت تقول :
-تعلمين كيف كانت حياتنا بوجود ذلك الرجل في هذا المنزل .
-انه ليس رجل انما هوه والدك يجب ان تراعي ذلك في كلامك , قد لا يكون ابا مثاليا لكنه رغم ذلك والدك .
-اي والد هذا الذي لم يحتضن يوما ابنته ,ولم يفرح يوما لفرحها انما يقابل الفرح بجفاء , مالذي اتذكره عنه . لا استطيع اتذكر غير صوته عالي , وصوتك المجروح من شدة ضربه لكي , ام اتذكر تلك الليلة التي دخل فيها علينا كالمجنون لا ينفك يمسك شيئا الى وضربنا به  او رماه علينا .
-كفى ... كفى ... لا تكملي كلامك .
-يجب ان اكمل كلامي  , عاجلا ام اجلا يجب ان نواجه الامر ونتخلص منه رغم تذكره الصعب الذي يقطع قلبي . كل هذه الذكريات المريرة تركت في قلبي فجوة سوداء اخذت تتسع يوما بعد يوم , حتى انها اصبحت جزء من شخصيتي ,حتى انني اصبحت امقت كل الرجال واتخيلهم بصورة واحدة صورة رجل مريع قاسي لايعرف معتى الرحمة .حتى انني  قمت بافعال بغيضة لأناس لا يستحقون ان يظلموا وانا هي من ظلمتهم , كل ذلك سعيا وراء مبتغاها وهي  الانتقام من الرجال , لانني ابغضهم ابغضهم .
قالت ذلك ووضعت وجهها بين كفيها وراحت تبكي  بحرقة , اثناء ذلك ضمتها والدتها الى صدرها واخذت تطبب عليها وعلى وجهها امارات الاستغراب من كلام ابنتها  والتانيب لنفسها لجهلها لما تعانيه ابنتها العزيزة .
-كفاك يا ابنتي انك تقطعين قلبي  وانا لا يمكنني تحمل ذلك .
-اتعلمين يا ماما لقد حطمت حلم ( مريم ) بالارتباط باغلى من تحب (احمد) لقد كانت اعز صديقة لي لكن لم اصن تلك الصداقة وانما استغللتها لتحقيق ما اريد وعلى حساب من (احمد ) ذلك الشاب الطيب  الذي احب ( مريم) من كل قلبه  . لقد ظلمتهم .
-لقد ظلمت قلبي ايضا وجرحت ( حسام) جرحت رجلا ناجحا وطيبا , رجلا يحمل كل الصفات الطيبه , جرحته لانه احبني .انا لا استحق ان يحبني احد .
-لقد كنت تائهة في عالم كله حقد وكراهية , في حين يراني من حولي انني افضل الفتيات . لم ادرك ذلك حتى عرفت لغز المرآة .. آجل  المرآة التي حطمتها كانت تحمل لغزاً , حيث انني كنت كلما نظرت اليها رأيت مالا يراه غيري , رأيت فيها  العتمة التي ملأت قلبي , رأيت فيها الحقد الذي كبر معي .
كانت تقول ذلك وهي تبكي تارة وتضحك ضحكة ساخرة من حالها , وبعدها اطلقت أهة طويلة , اطلقت معها كل ذكريات الماضي المؤلم . واستطردت تقول :
-لولا المرآة لما استطعت ان اتيقن الامر .
-أي امر تقصدين.
قالت السيدة ( أنهار ) هذه الكلمات بصعوبة بالغة  لتأثرها بما قالته ابنتها  وقد اغرورقت عينيها بالدموع  , وظلت منتظرة رد ابنتها على سؤالها حتى جائها الرد :
-من خلال المرآة استطعت رؤية الشيطان الذي كان يسكن داخل قلبي , ولكن الحمد لله لقد تخلصت من كل ذلك عندما حطمت المرآة . صدقيني يا ماما لقد وجدت طريقي بعد ان كنت تائهه والاكثر من ذلك انني عدت الى وعيي وكل ذلك بفضل المرآة  حيث انني الان لا ارى سوا قلب نادم لا يذكر الا حب ضائع .
-لاتقولي ذلك  فاعترافك هذا دليل على ندمك وبذلك يمكنك اصلاح كل شيء .
-وان لم استطع ان اصلح الامر .
-على الاقل انك اعترفتي لمن اخطات بحقهم  وحولت ان تصلحي الامر . وبعد ذلك يعود اليهم قرار مسامحتهم لك .
-وهل تعتقدين انهم سيسامحونني .
-ما دامت قلوب البشر طاهره خالية من الحقد تحمل بين طياتها مشاعر الحب والألفة فأعلمي أنها قلوب مسامحة .



                                       تمت بحمده

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق